القائمة الرئيسية

الصفحات

              نساء جْبالة

    عند زيارتي لمنطقة جبالة، ما رأيت بالمغرب من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه،  بمدنه وبواديه، بجباله وصحاريه، مرأة حياتها بغاية الدقة والإتقان والجدية والإلتزام رغم قساوة ظروف الحياة هناك فهي لا تتذمر تنظر إليك دائما بتلك الإبتسامة الخجولة إنها الجَبْلية المرأة الصبورة المكافحة تقوم بازدواجية العمل داخل و خارج البيت، إذ تعدد وظائفها يصل مرات لدرجة تفوق الرجل في المهام. 

               جْبالة، التسمية والهوية

  جْبالة هي المنطقة الجبلية في الشمال الغربي والشمال الأوسط للمغرب، وهو إسم أطلق بالأندلس على سكان الجبال الامازيغ (ريافة)، وانتقلت هذه التسمية مع المهاجرين الأندلسيين إلى شمال المغرب، للتغير من أسامي سبقتها مثل اسم غمارة وهبط ومع ذلك فإن هذا الإسم غير مرتبط بأي مدلول عرقي بل مدلوله جغرافي صرف، إذ أن سكانها تتنوع أصولهم وتختلف اختلافا كبيرا بين الأمازيغي والعربي الأندلسي واليهودي والمسيحي والعلوي .

     المنطقة الوحيدة بالمغرب التي حافظت على هويتها جمعت مزيج متنوعا حافظت عليه خلافا لباقي المغرب، ذلك الإختلاف بقي مترابطا ولم يندثر ولم يقهر منذ دخول الإسلام لبلاد المغرب في منتصف القرن السادس الميلادي حتى يومنا هذا، إذ عرفت المنطقة موجة من الفتوحات الإسلامية ساعدت على استعراب القبائل الأمازيغية هذا من جهة ودخولها في الإسلام كما عرفت موجات استيطان متوالية من الأندلسيين القادمين من الشمال، كل هدا ساهم بتميز جْبَالة بهوية خاصة تختلف عن مدن المغرب الأخرى من ناحية نمط الحياة واللباس واللغة كل هذه الاختلافات ساعدت على تميز هوية المنطقة.

    للمنطقة قداسة دينية لاستيطان بها إدريس الأكبر من سلالة آل البيت عليهم السلام . الطابع الديني مستمر مع أجيال أجْباَلة، حيث يقيمون بها حتى وقتنا الحالي مواسم دينية، إذ نجد أضرحة من سلالته الشريفة، الذين لهم إحترام كبير بالمنطقة.

المرأة الجبلية :

       1 الأصل و الجدور.

   يعتبر أصل المرأة الجَبْلية متنوع، لكن أغلبه ذو أصول أمازيغية أندلسية إن القبائل الأمازيغية استعربت، والسبب أن المكان عرف فتوحات إسلامية وتنام دخول سكانها الاسلام وخصوصا بحلول الادريس الأول بالمنقطة الذي رحب به الأمازيغ و قدموا له الولاء و بايعوه لما عرفوا أنه من سلالة آل البيت عليهم السلام وهو: (ادريس الأول بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي و فاطمة بنت رسول الله سلام الله عليهم)، وتعد الأصول الأندلسية الأكثر حضورا تأثيرا بفعل المهاجرين إليها بعد سقوط غرناطة بل أقدم من ذلك بكثير فتهجير أهالي قرطبة يعتبر من أكبر الهجرات الجماعية، وبعد بدء سقوط مدن الأندلس تباعا صارت جْبالة الأكثر تفضيلا لقربها الجغرافي من بلدهم و لتشابه ظروف العيش والمناخ مع الأندلس، فخلال أيام الوصل الأندلسي كانت منطقة جبالة تسمى العدوة السفلية والأندلس العدوة العليا وقد حمل هؤلاء المهاجرين إرثا حضريا ضخما ساهم برقي جْبالة مقارنة مع مناطق المغرب الأخرى .

       2 اللباس التقليدي للمرأة الجَبْلية.

    إن التنوع العرقي للمكون الجبلي واختلاف الروافد المكونة للثقافة الجبلية ساهم باختلاف ثقافاته المتباينة الأصول بترك بصمات واضحة على الثقافة الجَبْلِية، ويعد العنصر الأندلسي بمختلف روافده الأكثر غنى والأكثر تأثيرا، ويتجلى لنا ذلك في اللباس الجَبْلي.
  يعتبر الزي الجَبْلي هو المثيل الحي الوحيد للأزياء الأندلسية الإسلامية فقد انتقل هذا الزي مع المهاجرين الأندلسيين من مواطنهم الأصلية إلى شمال المغرب و من الملاحظ أن جميع مكونات الزي التقليدي الأندلسي انتقلت بحذافيرها مع الحفاظ على شكله الأصلي . المنديل : هو الثوب المميز للقومية الجبلية و هو عبارة عن قطعة ثوب من الصوف حيث يكون منسوجا بتدرج لونين اللونين الأحمر والأبيض، يستعمل المنديل كمئزر للنساء الجبليات حيث يلف حول خصرالمرأة الجبلية ويربط بحزام اسمه الكرزية .
  يرتبط المنديل أو ٲتازير بالمرأة الجبلية ارتباطا وثيقا حيث تستعمله لكل ما قد تحتاجه من قطعة ثوب فقد يتحول إلى وزرة مطبخ، أو لباس للحقول، أو حمالة للأطفال، يعتبر ارتداء المناديل في الثقافة الجبلية كناية عن جمال مرتديته و نسبها الأصيل. ترجع المرويات الشفهية في جْبَالة أن أصل المنديل الجبلي هو قطع الثياب التي استعملتها المرأة الأندلسية المهاجرة إلى شمال المغرب كحقائب لحمل متاعها و ملابسها ولهذا فإن المرأة الجَبْلية تداوم على ارتدائه مخافة أن تنسى أصولها أو أملها في العودة يوما إلى الأندلس لكن الأصح أن المنديل كان مستخدما سابقا من طرف النسوة في الجبال الأندلسية إن هذا التأويل المراد منه إضفاء القدسية التي ميزت صاحبة الهجرة الأندلسية للمنديل الجبلي.

الكرزية: أو الشاد وهي عبارة عن شريط طويل يربط على مقدمة الجبهة لتوثيق الشدة بالراس أو لربط المنديل فهو مخطط مصنوع من الصوف واللون الأحمر هو الغالب في خطوط الكرزية.

الشاشية: هي الرمز الجبلي الأكثر انتشارا والدال على الإنتماء إلى منطقة جْبالة وهي عبارة عن قبعة دائرية شبيهة بقدِّها واستدارتها بالقبعة المكسيكية، تحيط بالشاشية في الوسط الثقافي الجبلي هالة من القدسية فارتداء المراة الجَبْلية يدل على جمالها حيث أن المرأة التي تداوم على ارتداء الشاشية يدل على أنها من بيت الذي تربت فيه محافظ و شريف، ويساعد ايضا على الوقاية من أشعة الشمس صيفا ومن المطر شتاءا.

السبنية: هو غطاء للرأس غالبا أبيض اللون ، يوضع على الرأس كحجاب والذي يوضع فوقه الشاشية .

نساء جْبالة
اء جبليات يضعن على رؤوسه
 السبنية وفوقها الشاشية

نساء جْبالة
نساء جبليات ترتدين المنديل
        
نساء جْبالة
المنديل

نساء جْبالة
الكرزية أو الشدة

   المراة الجبلية هي المراة الوحيدة بالمغرب التي حافظة على لباسها التقليدي دون أن يمسه أي تغيير كما هو في المناطق الأخرى بالمغرب إذ تجدها محافظة على ذلك النسيج المتماسك من الألوان كما عهدت من أجدادها وخصوصا المنديل المصنوع من الصوف أو القطن، والذي كانت تنسجه النساء في بيوتهن منذ القرن الخامس عشر وإلى اليوم رمزا من رموز حياكة النسيج الصوفي والقطني، بنفس الطريقة التي ألفوها في الأندلس.

   ظلت المرأة الجَبْلية معتزة بأصولها الأندلسية ويتجسد ذلك في اللباس وما تأثر أبدا سوى بالطابع الديني الإسلامي فالتعديل كان من ناحية الستر المحكم والحشمة لا أكثر، عملت على أن يغطي كل جسدها دون أن يظهر محاسنها، هنا سنخوض نقاشا آخر كيف أثر الطابع الدين للمنطقة على المرأة الجَبْلية.

       3 تأثير الوضع الديني لمنطقة جبالة على المرأة الجبلية.

    لا ننسى أنه غلب على المنطقة الطابع الصوفي فنحن نجد عديد من زوايا أغلبها صوفية ، هذه المرأة كبرت بأرض الزوايا والصالحين.

      بجبالة أهم الأقطاب الصوفية كالطريقة الذرقاوية والشاذلية والوزانية والمشيشية فهي أرض الصلحاء.

    كل هذا الغنى الديني أثر بالمرأة الجبلية التي تعملت أمورها الدينية من الكتاب والمسجد مند الطفولة يعتبر حفظ القرآن من الضروريات التي ميزت النسيج الثقافي الجبلي، وهكذا الإناث منذ طفولتهن يحفظن القرآن كاملا مع الصِّبْية، ومن هنا يتبين تأثر مرأة جبالة بالطابع الديني الذي أصبح متجليا في حياتها اليومية متشبة بتعالمها الدينية الذي سيؤثر بدوره في حياتها اليومية .

       4 الدور الاقتصادي للمرأة الجبلية خارج البيت

    المرأة الجَبْلية الملتزمة بحجابها الكامل الستر والمحتشم تخرج للعمل خارج البيت و تشتغل أيضا داخله وبالحقل فهي لها مهام عدة أكثر من الرجل، تخرج لكسب المال لمساندة زوجها، فكيف استطاعت هده المراة القوية الجمع بين العمل داخل وخارح البيت بصبر وكد متواصل دون توقف ولا شكوى ولا تضجر؟ أكيد بايمانها القوي تمكنت من فعل ذلك.
     أول حرفة سنتطرق لها و قد تظهر غريبة شيئا ما بامتهانها للمرأة صناعة الفخار ، تعتبر صناعة نسوية بامتياز صدمت في وجه تحولات الزمن منذ القرن الثاني عشر الميلادي، وجرت العادة أن تمارس النساء صناعة الفخار في منطقة جْبَالة ، إذ أن غالبية نساء المنطقة لهن دراية بهذا النوع من الإبداع الصناعي التقليدي، توارثنها ويمارسنها بمختلف المداشر، وهو ما يجعل هذه المنطقة متميزة عن باقي مناطق المغرب ، حيث إنتاج الفخار يقوم به النساء وليس الرجال وساهم في إنتاج الفخار الذي تشتهر به مناطق جْبالة على وجود تربة تتميز بقابليتها الخاصة للتشكل ، بملمسها الناعم وأنها تقاوم الحرارة، إضافة الى وفرة هذه التربة بالمنطقة يساعد في كثرة إنتاج الخزف.
نساء جْبالة
نسوة جبليات يبعن أواني الفخار

     نعود مرة أخرى للباس الحبلي، ومثل ما تتطرقنا سابقة للحديث عن لباس المرأة الجبلية فلابد انه هي من ينتج هذه التشكيلة المتجانسة من الألبسة التي تجسد تاريخها، وهنا سنذكر مجموعة من الحرف التي تخص االباس الجبلي.
  حرفة الدرازة: حافظت المرأة الجَبْلية على حرفة الدرازة بشكلها التقليدي وبنفس تقنية الصناع في نسيج الجلاليب الصوفية، والزربية الشفشاونية والبرنس الجبلي، والقشابة والحايك الصوفي والأغطية الصوفية والكرزية والقفطان والشاشية التي لم تكن تفارق رؤوس النساء في البادية وما زالت لحد الآن، والمنديل المصنوع من الصوف أو القطن، والذي كانت تنسجه النساء في بيوتهن منذ القرن الخامس عشر وإلى اليوم رمزا من رموز حياكة النسيج الصوفي والقطني، بنفس الطريقة التي ألفوها في الأندلس.
 هذه المرأة الرائعة التي خاضت في مهنة الرجال أي الفخار فهي أيضا تقف جنا الى جنب مع زوجها وأخيها وأباها في الحق، من حيث الزرع والسقي والحصاد وجني أصناف الخضروات وأنواع الفواكه والبقول والزرع والري وتربية الدجاج والمواشي من بقرٍ و ماعزٍ.
 وتقطر الزهور والنباتات العطرية وتعصر الزيتون وتصبر المربى وتصنع الجبن وخاصة جبن الماعز، هذا الأخير الذي له دور كبير في تجارتها.
  الأندلسيون نقلواْ خبراتهم في مجال الفلاحة فهم أحضرواْ معهم نقل مغروسات أندلسية أهمها التين الذي تشتهر به المنطقة ، فكان للمرأة أيضا ودورا مهما في المساهمة في هذا المجال الكبير من الإنتاج الفلاحي.

نساء جْبالة
المرأة الجبلية تحلب البقر


نساء جْبالة
المرأة الجبلية تقوم بالحصاد

  هذه هي مرأة جبالة، المنتجة بالحقل خلافا لغيرها من نساء قرى المغرب، وجدت الحل لتجني المال وذلك بأخد بضاعتها بنفسها للأسواق الأسبوعية أو تذهب للمدن القريبة مثل تطوان وشفشاون وطنجة لتعرض منتوجاتها من جبن والبيض والدجاج وبعض الخضروات والنعناع والأعشاب المنسمة والأعشاب العطرية والفواكه الموسمية ، إنها تجارة تقوم بها هي فقط و ليس الرجال ، تتساوى في هذا الشابة و المرأة والعجوز يبعن ليعدن مساءا ببعض المال لسد مصاريف المعيشة. 
نساء جْبالة


نساء جْبالة

نساء جْبالة
جبليات يعرضن منتوجاتهن الفلاحية

  يشكل الجبن أهم ﺍﻟﻤﻨﺘﻮﺟﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻣﻌﻬﻦ إلى ﺍﻟﺴﻮﻕ ، ﻟﻤﻌﺮﻓﺘﻬﻦ ﺍﻟﻤﺴﺒﻘﺔ ﺑﺄﻥ ﺳﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﻈﺎﺭﻫﺎ ﺑﻠﻬﻔﺔ ، فهو ذا ﻗﻴﻤﺔ غذائية طبيعية % 100 لما تعود من تجارتها البسيطة تجلب معها ما تحتاجه وتوفر ما تبقى من المال القليل لمساعدة الزوج في أمور الحياة ، تتحمل التعب خارجا وعند العودة تطهي ما طاب ولد من أطباق شهية و خصوصا الطبق الشهير عندهم البيصارة يشبه الفول المدمس عند المصريين لكن بنكهة جبلية هي وجبة أساسية في البرد يعطي الطاقة للعمل الشاق اليومي و طبق السمك المحلي تاگرة أضف الى ذلك تشكيلة الاطباق المغربية الأخرى مثل البسطيلة والكسكس و الطاجين و الشاي المغربي بالنعناع إلخ.

      الصورتين للطبقين المشهورين بجبالة


نساء جْبالة
تاركة


نساء جْبالة
البيصارة

   أتمنى أنه قربت القارئ من حياة المرأة الجبلية وتوصيل له معلومة، عن حياة المرأة الجبلية التي تستحق كل التقدير والاحترام، هذه المرأة ذات المهام المختلف، حالات الطلاق عندهم منعدمة بسبب جديتها وكدها وتحملها المسؤولية، وهي الأم المثالية تربي أبنائها على الأخلاق والفضيلة و تعلمهم تحمل المسؤولية كما تربت هي.
  المرأة الشقراء عنوان الجمال والصبر والجدية والدين والعفة، تستر جسمها بشكل دائم داخل وخارج البيت لم تؤثر عليها العولمة في تغيير لباسها لا تخجل من أصولها تحتفظ بلاسها اينما ذهبت كما أنها تقول لك أنا أندلسية .
   لقد تمكنت من الحفاظ على طراز لباسها بكل اعتزاز و افتخار مبتسمة دوما خجولة تحني رأسها الذي تغطيه الشاشية كأنها تقول لك الشاشية تجسد حضارتي و تاريخي و أصالتي التي لن أتخلى عنها أبدا .
   إنها المرأة المتواضعة البسيطة، زرت المنطقة ثلاث مرات، و كان سؤالي المتكرر عن اللباس الذي يختلف بشكل كبير عن لباس باقي مدن المغرب واستغربت كيف أنه هذه المراة من يبيع بأزقة مدينة شفشاون وتطوان الجبن وليس الرجال. إنها مثال للمرأة العظيمة بالمغرب.